المناضل سالم عمر باهرشان بارجاش.. سيرة نضال خالدة ومجدٌ صنعه الإخلاص للوطن

تقرير - درع الجنوب

 

 
في الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، تعود بنا الذاكرة إلى رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، إلى مناضلين واجهوا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بشجاعةٍ وإيمانٍ بعدالة قضيتهم، ومن أولئك الأبطال الخالدين المناضل سالم عمر باهرشان بارجاش، أحد أبرز رموز الثورة الجنوبية ضد الاستعمار البريطاني، ورجلٌ ترك بصمةً لا تُمحى في مسيرة التحرر والبناء.


وُلد باهرشان في وحدة الراك بمدينة كنينه – مديرية حجر بمحافظة حضرموت عام 1941م، ونشأ يتيمًا في كنف أخته التي تكفلت برعايته في منطقةٍ فقيرةٍ سُمّيت بـ“وحدة الشهداء”، لكثرة من قدّموا أرواحهم فيها فداءً للحرية والاستقلال. ومن رحم المعاناة خرج المناضل بارجاش حاملاً همّ الفقراء والمستضعفين، متسلحًا بالعزيمة والإيمان بقضية وطنه.


هاجر مضطرًا كبقية أبناء حضرموت بحثًا عن لقمة العيش، فمكث عامين في تنزانيا، لكن أخبار الثورة التي انطلقت شرارتها في 14 أكتوبر 1963م أعادته إلى وطنه، فالتحق بصفوف الجبهة القومية ليبدأ مرحلةً جديدة من النضال والعمل المسلح ضد الاحتلال البريطاني.


شارك الفقيد في تنفيذ عملياتٍ عسكرية نوعية في مناطق متعددة من الجنوب، شملت حضرموت وعدن وأبين ولحج والواحدي، وكان من رفاق القادة البارزين مثل سالمين، والبيض، والعطاس، وحسين باراس، وخالد باراس، والحاج صالح باقيس وغيرهم من رموز الكفاح الوطني. وقد ساهمت جهوده في توحيد الصفوف وتمهيد الطريق لإعلان جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، التي عُرفت لاحقًا بـ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.


نال المناضل سالم باهرشان بارجاش عددًا من الأوسمة والميداليات الرفيعة من قيادة الدولة، تقديرًا لدوره الوطني في تثبيت النظام الجمهوري وترسيخ مؤسسات الدولة الوليدة.
وبعد الاستقلال، واصل الفقيد عطائه في مرحلة البناء، فشغل مناصب عدة، منها قيادة القوات الشعبية ومأمور مديرية حجر، حيث عُرف بكفاءته وإخلاصه وتفانيه في خدمة الناس. أسهم في تنفيذ مشاريع خدمية وتنموية غير مسبوقة في المديرية، مثل شق الطرق الترابية، وإنشاء المؤسسات التعليمية والصحية، والتعاونيات الاستهلاكية والزراعية، كما كان له دور في تأسيس مشروع وادي حجر الكبير. وعلى المستوى الوطني، انتُخب عضوًا في مجلس الشعب الأعلى.


كان الفقيد بارجاش نموذجًا للمناضل المخلص والمسؤول المتواضع، محبًا للناس قريبًا منهم، يشاركهم آلامهم وآمالهم، ويحمل همومهم أينما حلّ. وحين وافته المنية في 27 أغسطس 2009م بمدينة المكلا، شيّعه المئات من مختلف مناطق حضرموت والجنوب إلى مثواه الأخير في مقبرة أمبيخة، في وداعٍ يليق بمسيرة رجلٍ وهب حياته للثورة والكرامة والإنسان.


إن الحديث عن المناضل سالم عمر باهرشان بارجاش هو حديث عن جيلٍ صنع فجر الحرية، وكتب بدمائه مجد الجنوب، وبنى أسس دولته الحديثة. ستظل سيرته علامة مضيئة في ذاكرة الوطن، ومصدر إلهامٍ للأجيال التي تمضي على درب النضال ذاته، وفاءً لعهد الأبطال وصونًا لتضحياتهم.