ذكرى مجزرة سناح .. ومسيرة الجنوب العربي نحو الاستقلال

بقلم / ملازم أول - حسين علي الذييبي

 
.........

لم يكن صباح السابع والعشرين من ديسمبر 2013م يومًا عابرًا في ذاكرة الجنوب العربي ، بل محطة دامية حفرت تفاصيلها في ضالع الصمود وترددت أصداؤها في حضرموت والمهرة وكل الجغرافيا الجنوبية. ففي ذلك الخميس الأسود انهمرت النيران على منازل المدنيين في منطقة سناح بمحافظة الضالع، دون تمييز بين حجر وبشر، في جريمة وُصفت بأنها واحدة من أكثر الصفحات سوادًا في سجل الانتهاكات ضد السكان العُزّل.

أكثر من أربعين شهيدًا وجريحًا، أغلبهم من النساء والأطفال، لم يكونوا أرقامًا في نشرات الأخبار بل حكايات حياة انطفأت فجأة، وأسرًا تهدمت فوق أحلامها، وبيوتًا ما تزال أطلالها شاهدًا صامتًا على ما حدث. تلك المجزرة لم تكن حادثًا منفصلًا، بل حلقة في سياق طويل من العنف منذ عام 1994م، ترك ندوبًا عميقة في الوجدان الجنوبي وعمّق قناعته بحقّه في العيش بكرامة وأمان.

من سناح إلى حضرموت… خيط واحد من الألم والصمود

قصة سناح لم تتوقف عند حدود المكان؛ فمن أطلال الضالع إلى ميادين حضرموت امتد الخيط ذاته: شعب يرفض الانكسار، ويحوّل الألم إلى قوة دفع. دماء الشهداء كانت وقودًا للوعي الجمعي، وأيقظت روح التكاتف الجنوبي في الوادي والصحراء والساحل، حيث باتت عبارة “مصير واحد ونضال واحد” تعبيرًا عن حقيقة وليست مجرد شعار.

النداء إلى الضمير العالمي

صمت المجتمع الدولي عن مجزرة سناح ومثيلاتها ظل سؤالًا مفتوحًا: كيف تمر جرائم بهذه الفداحة دون مساءلة عادلة؟ المطالبة بتحرك مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة والمنظمات الدولية ليست ترفًا سياسيًا، بل استحقاق إنساني لأرواح أزهقت ولجرح مفتوح لم يندمل بعد. فالعدالة المؤجلة لا تُطفئ الألم، لكنها تظل حقًا لا يسقط بالتقادم.

الاحتلال والميليشيا… نهج واحد في استهداف المدنيين

أظهرت وقائع مجزرة سناح – كما أظهرت غيرها من المآسي – أن استهداف المدنيين وقصف الأحياء السكنية نهج واحد وإن اختلفت التسميات. لا فرق بين سلطة تحتكر القوة أو ميليشيا تفرض السلاح؛ فالجريمة تبقى جريمة حين يكون الهدف أطفالًا ونساءً وأُسرًا آمنة تنشد حياة طبيعية.

الذاكرة لا تموت… والعهد يتجدد

تمر الذكرى الثانية عشرة على مجزرة سناح ليس بوصفها مشهدًا يُستعاد، بل عهدًا يتجدد بأن الدماء لن تُنسى وأن المطالبة بالعدالة ستظل قائمة. من بين الأنقاض ووداع الأحبة وُلد إصرار على بناء واقع مختلف، وتحوّل الحزن إلى دافع لمواصلة مسار حماية الإنسان والأرض والكرامة.

الجيش الجنوبي… من زمن الدفن إلى زمن التحرر

بين الأمس الذي ودّع الأحبة واليوم الذي تحررت فيه مساحات واسعة من الأرض، صنع أبطال قواتنا المسلحة الجنوبية معادلة جديدة: الانتقال من موقع الدفاع الجريح إلى حماية المجتمع وتعزيز الأمن. صار السيف والدرع رمزًا لحماية ما تبقى من الأمل، ودعم مشروع الاستقرار، وصون المدنيين من تكرار المآسي.

معادلة النصر… دم في الضالع وصمود في حضرموت وثبات في المهرة

الضالع قدمت دماءها، حضرموت رسّخت صمودها، المهرة جسدت ثباتها؛ وهكذا تبلورت معادلة التلاحم الجنوبي التي بدت اليوم أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ذكرى سناح تؤكد أن المصير مشترك، وأن الوحدة المجتمعية هي الطريق نحو الأمن والكرامة والحقوق المشروعة.

العدالة بين الأرض والسماء

قد تغيب العدالة الدولية حينًا، لكن عدالة الأرض لا تغيب. فالشعوب التي تحفظ ذاكرتها وتتمسك بحقوقها قادرة على كتابة تاريخها بيدها. ستظل سناح قضية حية، تُستحضر في كل منبر حقوقي وسياسي، وتذكّر بأن استهداف المدنيين جريمة لا تسقط بالصمت ولا بالتقادم.